السبت، 27 سبتمبر 2014

لمحة من تاريخهم في النجف الأشرف


لمحة من تاريخهم في النجف الأشرف

 

نستطيع القول: إن لقمة العيش التي اقتضت السفر الدائم بين النجف الأشرف وجبل حائل ومكة المكرمة والمدينة المنورة، لم تفسح المجال لصنع تأريخ خاص بآل فارس، ولكن عندما استقر بهم المقام في النجف، وفار قوام آبائهم وأجدادهم، الجمالة، وتباعدت عنهم الإبل، وتقوضت حالة البداوة، وبدأت الحضارة ترسم طابعها على رؤساء آل فارس في النجف. عند ذلك بدأ التاريخ يسجل لهم رويداً رويداً بعض المواقف والنشاطات. هذا، وفي سنة 1247هـ أصاب النجف طاعون ماحق، قضى على كثير من العوائل النجفية القديمة، ولم ينج آل فارس من هذا الوباء الماحق، فقد هلك منهم بسببه عدد كبير من الرجال والنساء، ولولا ذلك، لكانوا اليوم من أكثر الأسر النجفية عدداً.

هذا، وكانت لآل فارس في محلة البراق ميرة؛ لقدمهم وعددهم وعلاقاتهم. ونستطيع القول أن سنة 1319هـ كانت بداية ولوج آل فارس أبواب التاريخ في النجف الغروية. ففي هذه السنة نشط رئيس آل فارس، الشيخ حسون بن حبيب بن حاج خليل بن طعان بن حاتم بن محمد آل فارس، وكان تاجراً يتعاطى بيع الحبوب وشرائها في جانب، والأعمال الزراعية في جانب آخر. ففي سنة 1319هـ، أسس تحالفاً عشائرياً في محلة البراق، بين أسرته آل فارس وعدد من الأسر البراقية -وسوف نذكر ورقة نص التحالف في موضوع سنة آل فارس إن شاء الله تعالى- وذلك عندما رأى أن الدولة العثمانية ضعيفة ومتجهة إلى حافة الانهيار، فلا أمن ولا استقرار؛ فبادر إلى عقد ذلك التحالف العشائري، فصّلنا فيه القول في موضوع سنة آل فارس. وشاءت الظروف أن يرحل حسون الحبيب إلى الدار الآخرة في عام 1335هـ. ويخلفه أخوه كلو الحبيب على رئاسة آل فارس. وهذا كان تاجراً ومزارعاً ووجيهاً من وجهاء عشائر النجف، وشيخاً من شيوخها ذائعي الصيت، أسهم وعشيرته في ثورة النجف سنة 1915 ضد الحكم التركي. وعندما استقلت النجف تحكُم نفسها بنفسها من سنة 1915 ـ 1917، كان كلو الحبيب على رأس شبة آل فارس في محلة البراق في النجف الأشرف. وأسهم كذلك في ثورة 1918 ضد الحكم الاستعماري الإنكليزي. وكذلك الأمر في ثورة سنة 1920. وقد فصّلنا القول في موضوع شبة آل فارس؛ فلا حاجة إلى إعادته في هذه اللمحة التاريخية.

إن آل فارس في النجف الأشرف أصبحوا جزءاً من العشائر العربية، يتحسسون بأحاسيسهم في السراء والضراء؛ ومن هنا، وجدناهم يسهمون ويشاركون في كل صغيرة وكبيرة. والملاحظ أن المؤرخ يلمس لهم وجود ومشاركة في شخص شيخِهم وأشخاص وجهائهم، فكانت الحكومة المحلية تحسب لهم حسابَ العشائر النجفية الأخرى، وعشائر النجف توليهم المكانة التي يستحقونها. ومع هذا كله، لم تنقطع صِلاتهم بين عمومتهم في نجد، فقد كان المسافرون يقصدون إليهم من حائل وأطرافها، وينزلون ضيوفاً عند مشايخهم آل حاج خليل آل فارس. وكان المسافرون إلى نجد من عشيرة آل فارس يعودون بشيء على عمومتهم في حائل...

إن هذه لمحة موجزة، تضمنت فقرات من تاريخ آل فارس في النجف. ولعلّ تفاصيل أكثر سترد ضمن تراجم الأشخاص أو غيرها. والحمد لله رب العالمين.([1])



([1]) مقابلة مع الشيخ كريم كلو الحبيب في سنة 1960م اجراها بن أخته كاظم محمد علي شكر. مؤلف هذا الكتاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق