السبت، 27 سبتمبر 2014

تاريخ شبة آل فارس في النجف الأشرف


 

تاريخ شبة آل فارس في النجف الأشرف

 

في أواخر العهد العثماني، تدهور كل شيء في العراق بصورة عامة، وفي النجف خاصةً، فلا أمن ولا اطمئنان ولا استقرار، وكادت الفوضى أن تسود. ولهذه الأسباب، قامت في النجف الأشرف تكتلات عشائرية وتحالفات أسرية، وكان هدفها حماية المتكتّلين أو المتحالفين من عاديات الآخرين، وإقامة التعاون والتكاتف في ما بينهم محل الفرقة والضعف، ما دامت الحكومة المحلية في النجف عاجزة عن القيام بواجباتها الرسمية، حكومةً لها سيادة، ولها سيطرة مثل الحكومات الأخرى.

ومن بحث تلك التكتلات العشائرية، كان تكتل آل فارس - الجمالة، الذي كوّن (شبة) من الأرهاط والأسر القاطنة في محلة البراق، التفت حول آل فارس، وانطوت تحت لواء شبتهم مرأسة حسون الحبيب. هذا، وقد قام في محلة البراق تكتل آخر ضمّ السادة آل جريو برئاسة السيد خضير جريو، وضم الشيخ محمد حسين زيارة أبو اصيبع، والسيد محمد السيد منصور، وحاج موسى الحاج عبيد وأسرهم وأرهاطهم. أما الذين انضموا تحت تكتل آل فارس، فهم عزيز المختار، وسلمان حسون عبد السيد، ورهطيهما. وكان ذلك في سنة 1319 هجرية. هذا، وما زالت ورقة شبة آل فارس محفوظة في ملف أوراق آل فارس حتى اليوم. وقد تصرمت عليها أكثر من مئة سنة، إذ نحن الآن في سنة 1421هـ، ولم نعهد أن شبة السادة آل جريو بقيت ورقتها محفوظة عند واحد من أربابها، ولكننا علمنا بها من الإشارة الصريحة المثبتة في ورقة شبة آل فارس، وسوف يرد ذكرها عندما ندون نص ورقة شبة آل فارس.

يبدو أن الشبتين المذكورتين -وكلاهما من محلة البراق- متفقتان على تحديد ديات القتل والجراح، والصيحة، والسقاط، والفاسدة والخيانة، وغيرها. ذلك بموجب قطع السيد مهدي بن السيد سلمان وأمره، قطعه وكلمته نافذتان عليها ويجري على الجميع... هذا، وفي أدناه ندوّن نص ورقة شبة آل فارس - الجمالة المؤرخة في 1919 هجرية. وهي في الوقت نفسه تعد وثيقة لشبة السادة آلبو جريو ومجموعتهم، ما دامت الورقة الخاصة بهم مفقودة، والسبب الباعث على تمريرها.

بخصوص الداعين: حسون الحبيب، وعزيز المختار، وسلمان حسون عبد السيد، تقاولنا وتقاررنا واتفقنا على العمة، أن نكون عمام بعضنا مع بعض، وفقاً للورقة التي بيد سيد محمد بن سيد منصور، وحاج موسى حاج عبيد، وسيد خضير جريو، ومحمد حسين زيارة أبو اصبيع. بموجب ما هو مدروج ومفصّل بالورقة، التي بيد الجماعة المذكورة ، من طرف القتل، والودي، والصيحة، والسقاط، والفاسدة، والسرقة، والخيانة، وعن غير ذلك. بموجب قطع وأمر السيد مهدي بن السيد سلمان، قطعه وكلمته نافذة علينا ويجري على الجميع. قد انعقدت رايتنا على ذلك، واتفقنا، والله شاهد علينا. وقدمنا هذه الورقة لتكون نافذة وقت الحاجة إليها. تحرير في سنة 1319هـ.

كلو بن حبيب، عباس علي بن حبيب، حسون بن حبيب، كاظم نجم بن حبيب، شمخي دهش، هلول دهش، عطية دهش، مهدي حمد، باقر حمد، عبد بن عبيس، باقر بن عبيس، عبود محمد أغا، عزيز المختار، حسون الجاسم، سعد جاسم، سعد جريان، جبر بن حسون، محمد حبيب، هاني حسين الحداد وأخوانه سكنة السماوة، محمد، عبود، أحمد، علي، عزيز... وأخوانه، عبود بن متعب، علي المختار، باقر المختار، بديوي بن طعان، بن كريدي بن ذرب، جبر بن فضلي، ناصر المختار، صادق باقر المختار). تلكم ورقة شبة آل فارس، نقلناها عن الأصل بحذافيرها وتعابيرها بكل أمانة.

هذا، وقد بقيت هذه الشبة عاملة ونافذة المفعول، حتى بعد وفاة رئيسها الشيخ حسون الحبيب آل فارس، المتوفى على أكبر ظن في سنة 1335 هجرية، أي في أواخر حكم النجف نفسَها بنفسها، المعروفة عندهم بـ (أيام الفرمانات). فقد رأسَ شبة آل فارس كلو الحبيب آل فارس المتوفى سنة 1953م. وقد استمر هذا الحال على ذلك المنوال حتى سقط الحكم العثماني البغيض، وطردِه من النجف الأشرف يوم السبت 22/ مايس/ 1915م، الموافق 8/ رجب/1333هـ، حيث ثار النجفيون برمّتهم على الحكم التركي في النجف الأشرف؛ بسبب سوء المعاملة وتدهور الحال الاقتصادية وغيرها.

فحاصروا حامية الجيش التركي، وبعد قتال مستميت دام ثلاثة أيام، تمكن النجفيون من فرض سيطرتهم على الحامية التركية، فطُرد الجنود الأتراك خارج سور النجف، تاركين قتلاهم وجرحاهم وأسراهم، واستسلمت الحكومة التركية المحلية إلى الثوار، لكن الثوار لم يحتفظوا بهم أسرى حرب، بل طردوهم من المدينة إلى خارجها، فاتجهوا صوب الحلة، وأخيراً، سيطر الثوار على أسلحة العثمانيين ومعداتهم، وكل الموجودات داخل الحامية، فاستتب الأمن، وتنفس الناس الصعداء، وتلذذوا بطعم الحرية...إلخ.

ثم اجتمع مشايخ النجف الأشرف، وكوّنوا من بين أرهاطهم وأسرهم ما اصطلحوا على تسميتها بـ (الشبات)، ومفردها (شبة). وقد سميت الشبة باسم شيخها ورئيسها، وهي تعني تحالف مجموعة من الأسر والأرهاط، إذ تكوّن عددٌ لا بأس به، له أهمية وحركة ثقل، فكانت في محلة المشراق عشر شبات، وفي محلة الحويش ست شبات، ومثل ذلك في كلٍ من محلتي العمارة والبراق؛ فكان مجموع شبات النجف الأشرف ثمان وعشرين شبة. ويرأسها ثمانية وعشرون شيخاً، وكان لكل محلة زعيم ينتخب من بين شيوخ المحلة، فهو الناطق باسم المحلة وممثلها في الاجتماعات وغيرها.([1])

هذا، وكانت لآل فارس شبة من شبات محلة البراق، يرأسها الشيخ كلو الحبيب آل فارس. وقد تعاونت هذه الشبة مع بقية شبات النجف بروح أخوية وطنية وعربية صادقة. وكانت لها حصة من واردات النجف، وعليها حراسة معينة على جبل الحويش، وعندما سيطر الحكم الإنكليزي على النجف، وفرض على الشبات غرامة الـ (1000) ألف بندقية، سلّمت شبة آل فارس حصتها من البنادق، وقد سجن شيخها كلو الحبيب مع الشيوخ الذين سجنوا: الحاج حسون شربة، ومطلق المعمار، وسيد علي جريو، وغيرهم، ثم أطلق سراحه بدفع غرامة مالية...إلخ. لقد استمر حكم النجف نفسها بنفسها مدة سنتين تقريباً، من 22/ مايس/ 1915م إلى تموز/1917م.

هذا، ومن بعد وفاة الشيخ كلو الحبيب سنة 1953م، رأسَ شبةَ آل فارس ولده كريم كلو الحبيب آل فارس. وسوف نترجم له في موضوع تراجم رجال آل فارس. ثم بعد وفاته سنة.... 19، رأسَ شبةَ آل فارس ولدُه محمد كريم كلو الحبيب آل فارس. وسوف نترجم له أيضاً. وبعد وفاته سنة ....19 رأسَ شبة آل فارس أخوه نعمان كريم كلو الحبيب آل فارس. وسوف نترجم له أيضا، وما زال رئيسَهم حتى كتابة هذه السطور.



([1]) راجع: جريدة الفرات العدد (17)، الأربعاء 16 جمادى الأول/ 1421هـ ـ 16/ آب/ 2000م. فقد نشرت بحثاً تحت عنوان: ضوء على حكومة الشبات في النجف الأشرف، بقلم كاظم محمد علي شكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق