السبت، 27 سبتمبر 2014

الضياغم ونزولهم إلى نجد


الضياغم ونزولهم إلى نجد

حدثنا الدكتور علي شواخ، في ص129، من كتابه القشعم، فقال: الضياغم -وقد يقال آل ضيغم- فرقة من فخذ عبدة، من قبيلة قحطان.([1]) المعروفة في جنوب الجزيرة العربية، كانوا يسكنون وادي (تثليث) وما حوله. ولظروف -ربما سياسية أو اجتماعية- نزحوا إلى تلك الجهات، حتى استقر بهم المقام في المنطقة الشمالية من نجد، المعروفة بجبل شمر -أو جبل طي سابقاً-. وللضياغم شهرة واسعة، وتاريخ طويل، يشبه إلى حد بعيد تاريخ بني هلال وسيرتهم. ولهم أدب شعبي وقصصي، وأساطير تتحدث عن بطولاتهم وحروبهم وحياتهم الاجتماعية في ذلك الوقت.

وأما نزوح آل ضيغم من الجنوب في الجزيرة العربية، فقد مرّوا بكثير من القرى والمحطات القديمة، وسجلوا ذلك في قصائدهم، التي كان لها دور بارز في إرشاد الجغرافيين والمهتمين بالمواقع القديمة، التي هي مواضع ربما كانت مجهولة، قبل الاهتمام بدراسة قصائدهم وأشعارهم وتحليلها. ولنستمع إلى قول أحد شعراء آل ضيغم، وهو (فارس بن شهوان آل ضيغم)، يعدد الأماكن التي مروا بها في رحلتهم إلى شمال نجد:

 

ليل في القمر أو ليل في اركـــــــا

 
وليل في حزم الحصـــاة نداء

وليلــــــة وردنا ماسل وموبل

 
وجبة المعارف كنهـــــــن جداد

وليل في الرواح لاعلة الحبــــــا

 
مشيمة وقاف وحمضــة باد

ووخليتها وادي القوبع تعمــــد

 
تميتنها لولا الهبــــام بلاد

وليل في الحد يا لاعمر جالهــــا

 
شدوا وخلــــوا في المراح سواد


 

إلى قوله:

 وليل وردنا العـــــــــــــــــــــــــــد عد آل زايد
لا قلت هون في جمامـــــــــــــــــــــــــــــــة زاد

 

    هذا، وعدّت الشخصيات في قصص الضياغم شخصية (عرار) بن شهوان، أو عمر بن راشد، وهما أبناء عم، وللاثنين مواقف بطولية. إلا أن التاريخ الذي يرويه العامة يؤكد أنهما كانا عدوين لدودين، وحصلت بينهما مصادمات ومنازعات مرات كثيرة. يؤكد هذا قول عرار بن شهوان المتوفى سنة 850هـ.

يقول الفتى عرار في راس مرقبــــــــــــــــــــــة
عفا الله عيني تزايد هميلــــــــــــــــــــــــــــــــــة

 

إلى أن يقول:

تخاف من دهيا دهوم بجرهـــــــــــــــــــــــــــــــا
ثمانية آلاف عمر دليلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

 

إلى آخر القصيدة.

ويستمر الدكتور علي شواخ، في ذكر فقرات من مواقفهم وأشعارهم، إلى أن يصل إلى ص135، فيقول: ((ولما وصل الضياغم إلى جبل شمر، كانت الزعامة فيه لـ (بهيج) بن ذيبان، من قبيلة بني زبيد، وكان مقره في قرية عقدة، الواقعة في الجهة الغربية من مدينة (حايل)، من شمال نجد. وحدث الصِدام بين آل ضيغم والشيخ بهيج، وكانت الغلَبة لهم عليه -للضياغم- فاضطروه إلى النزوح عن (قرية عقدة)، ورحل إلى العراق، فسكن هنا. وقال من قصيدة يذكر فيها ما حدث:

 

يقول بهيج بن ذيبان متايـــــــــــــــــــــــــــــــــل
ورمحي على الاملاق خوق التلايـــــــــــــــــل

 

جلوني عن داري العذيات شمر ... إلى آخر القصيدة.

وبعد أن استقر الشيخ بهيج في العراق، صفا الجو لأل ضيغم، وحكموا البلاد. وكان منهم عدة أسر تعاقبت على حكم البلاد، منها: أسرة آل علي، ثم أسرة آل رشيد، وقال أحد الشعراء، يذكر قصة بهيج بن ذيبان:

 

قبلك بهيــــــــــــــــج أحد روه السناعـــــيس
عن عقيدة اللي ما يزحزم قاهـــــــــــــــــــــــــا

 

وما زالت تلك الأسرة تفتخر بالانتماء إلى آل ضيغم، وتذكر أمجادهم في أشعارها وقصائدها. قال الشاعر، يعني أحد أمراء آل رشيد:

 

الضيغمي كل المراجل بقبـــــــــــــــــــــــــــــــــة
وحن تلقط ما وقـــــــــــــــــــــع بالتراب))([2])

 

هذا، وقد كتب الدكتور عبد الله الصالح العثيمين شيئاً من هذا في كتابه (نشأة إمارة آل رشيد)، قال -وهو يتحدث عن سكان جبل أجا وسلمى: ((وإذا كانت هناك أكثرية من سكان الجبل تنتمي إلى قبيلة شمر، فإن زعامة قاعدة تلك المنطقة -حائل- كانت تنتمي إلى عشيرة عبدة من هذه القبيلة. وتاريخ العشيرة المذكور لا يختلف كثيراً عن تاريخ العشائر والقبائل الأخرى في وسط جزيرة العرب آنذاك، من حيث ندرة المعلومات وعدم تحديدها. ومن ذلك النادر غير المحدود، ما يروى عن عشيرة (عبدة)، أنها كانت تسكن إحدى جهات اليمن، ثم هاجرت من هناك متجهة شمالاً، حتى حلت بجبل شمر. وتشير هذه الرواية الشعبية إلى أن تلك الهجرة حدثت منذ أكثر من أربعة قرون، لكنها لا تعطي تاريخاً دقيقاً لها. ونحن مع الدكتور صالح؛ فهذا تاريخ غير دقيق، والمتوقع أنه قبل هذا التاريخ بقرنين على الأقل. كما أنها تشير بصورة مقنعة إلى الأسباب التي جعلت هذه العشيرة تحلّ بمنطقة جبل شمر بالذات. ومن المعروف أن أسباب الهجرات القبلية يعود في الأكثر إلى حدوث قحط شديد، ينتج عنه انهيار اقتصادي للقبيلة التي حدث في جهتها، أو حدوث ضغط عسكري في إحدى القبائل المجاورة، أو الإمارات التي تسير على منطقتها.

أما أخبار عشيرة (عبدة) المهاجرة لمنطقة جبل شمر، فإنه من غير المرجّح أن يكون السبب الوحيد، أو السبب الأقوى فيه، ما يوجد من تشابه جغرافي بين موطنها القديم وبين مكان استيطانها الجديد، بل ربما كان لصلة النسب بين هذه العشيرة وبين سكان الجبل المذكور، أثر قوةٍ من الفاعل الجغرافي في ذلك الاختبار. وربما كانت هناك انقسامات بين أبناء عمومتها المعنيين، أو بينهم وبين قبيلة أخرى، جعلت أحد الفريقين المتخاصمين يغريها بالقدوم إلى المنطقة؛ أملاً في وقوفها معه ضد خصومه. ومهما كان الأمر، فإن عشيرة عبدة ما لبثت أن انتزعت سيادة المنطقة من زعمائها الأولين، وأجبرت بعضهم على مغادرتها. وكان أحد أولئك الزعماء الذين اضطروا إلى المغادرة، يقال له: (بهيج). وإلى ذلك يشير شاعر من شعراء شمر، يقال إنه لعيد بن رشيد، فيما بعد، يقول:

 

               قبلك بهيج أحذروه السناعيــــــــــــــــــــــــس

                                               من عقدة اللي ما يحدر فتاهـــــــــــــــــــــــا ([3])



([1]) المقصود نسبهم في طي إلى قحطان، على ما أظن. والله أعلم.
([2]) ص 136، القشعم.
([3]) ص 125 ـ 127 القشعمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق