السبت، 27 سبتمبر 2014

موقف وطني لآل فارس وآلبو كلل


موقف وطني لآل فارس وآلبو كلل

 

عندما كانت النجف تحكم نفسها بنفسها بنحو ما تقدم، كانت شبات عشائر النجف تحرس مخارج المدينة ومداخلها من داخل السور؛ لأن النجف محاصرة من خارج السور من قبل قوات الاستعمار الإنكليزي. وكانت نقطة جبل الحويش من أهم نقاط الحراسة، ويقع في الجنوب الغربي من المدينة، وكان دور الحراسة في أحد الليالي على شبة آلبو كلل وشبة آل فارس، فحدث شجار قوي بين علي عبود آل ديوان -وهو من آل فارس- وبين علوان بن حسين -وهو من أتباع آلبو كلل وليس منهم-. وتفاقم الشجار، وأخيراً أدى إلى قتل علوان بن حسين من قبل علي عبود آل ديوان، وكاد هذا الموقف أن يحدِث فتنة بين النجفيين الثوار أنفسهم، ويؤدي إلى ضعف الحراسة على جبل الحويش، ولكن مشايخ النجف استدركوه وهرعوا جميعهم إلى الجبل، وكان في مقدمتهم الشيخ الحاج عطية أبو كلل، والشيخ كلو الحبيب. وبعد التفاهم اتفقوا على دفن القتيل علوان بن حسين، وسجن القاتل علي عبود، وتجميد الحدث برمته إلى ما بعد الخلاص من حصار الإنكليز وسيطرة الجيش البريطاني؛ ذلك للحفاظ على قوة الثورة، وتوحيد صفوف المقاتلين والحراس لصالح الوطنيين الثوار ضد المستعمر الغاشم. ثم بهذه الروح العربية العراقية النجفية الأصيلة عالجوا ذلك الموقف الخطير.([1])

هذا، وقد مضت السنون بأهلها، وأبعد الشيخ الحاج عطية أبو كلل إلى سمربور في شمال الهند بأمر الانكليز؛ بسبب محاربته الاستعمار الإنكليزي، بينما سجن الشيخ كلو الحبيب من قبل الإنكليز، ثم أطلق سراحه بدفع غرامة مالية...إلخ. وأخيراً عاد الشيخ الحاج عطية أبو كلل من الإبعاد، وشغلته الأيام عن تاريخ الماضين، ولكن بعض المشايخ أخذوا يجتمعون في مجالسهم ودواوينهم، ويتحدثون عن أيامهم ووقائعهم، فتذكّروا قتيل الجبل ليلة الحراسة، الأمر الذي دعا الحاج عطية أبو كلل إلى مطالبة الشيخ كلو الحبيب بدمه وديته -دم علوان بن حسين، المجمدة ديته من سنة 1917م- وكانت المطالبة في سنة 1941، بذلك قد مضى على تجميدها ربع قرن تقريباً.

تقول الأوراق المحفوظة في ملف أوراق آل فارس حتى اليوم -التي سنذكر نصوصها في أدناه؛ لأنها أصبحت من الوثائق التاريخية- أن الشيخ كلو الحبيب طلب من الشيخ عطية أبو كلل مهلة؛ ليتأكد من كون القتيل له أهل وعشيرة أم لا؛ لأنه لا يمكن أن يفصل ديتين واحدة إلى أبو كلل، وأخرى إلى أهل القتيل، وهذا بالإضافة إلى صحة التهمة بأنها بذمته على عبود من آل فارس، فوافق الشيخ الحاج عطية أبو كلل على إعطاء المهلة لمدة شهر كامل، ولكنه طلب من الشيخ كلو الحبيب إقراراً بذلك، فأعطاه الإقرار الآتي:

((نعم، أنا كلو الحبيب، لقد تم الاتفاق مع جعفر الشيخ ثامر، من طرف المقتول علوان بن حسين، بمحضر جماعة من النجفيين، بأن يمهلونني لمرور شهر واحد؛ للتحقّق من هذه التهمة، وعند مرور هذه المدة أنا ملزم، إما أن أحلف بسيدنا العباس عما يطلبه مني، وإما أن أفصل. واذا قررت بأن يشهد وعلينا جماعة من المسلمين. 5/ تموز/941)).

عن إقرار كلو الحبيب

 

 

 

 

 

 


شهد بذلك
حاج عبد الله الشمرتي
شهد بذلك
 مجيد غانم كرماشة

شهد بذلك
حاج عطية أبو كلل
شهد بذلك
حاج عبد الحسن الحاج حمادي الشمرتي

شهد بذلك
سيد جلوي السيد حسون
عن اقرار
جعفر الشيخ ثامر
 



 

 

 

 

 


هذا، وفي ملف أوراق آل فارس رسالتان من أولياء أمر القتيل، الأولى موجهة إلى سيد جلوي السيد حسون المؤمن، والثانية موجهة إلى سيد حسين السيد علي جريو. والرسالتان تطالبان الشيخ كلو الحبيب بدفع دية القتيل حسب سواني النجف، إلى الشيخ الحاج عطية أبو كلل، وإلى الشيخ جعفر ثامر، وفي أدناه نص الرسالتين.

 

نص الرسالة الأولى

((جناب الأكرم الأفخم الفاضل السيد حسين جريو المحترم دام بقاؤه، بعد التحية ومزيد الاحترام، بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثانياً. جاءنا حاج جعفر الشيخ علي ثامر، من طرف قتل علوان بن حسين الذي عند كلو، فقال: جميع السواني التي ما بين أهل النجف من طرف القتيل، أجروها إلى المرحوم حاج جعفر ثامر، وعطية أبو كلل، من طرف قتل علوان بن حسين، فنحنُ راضون في جميع سواني القتل ما بينكم. ودمتم سالمين، والسلام)).


المحب لكم
هدّاد آل قاطع

المحب لكم
ازعار بن حمزة آل جبل

المحب لكم
حاج إبراهيم الحاج جنابي
                                          

 

 

 

 

 

نص الرسالة الثانية

((لجناب الأكرم الأفخم السيد جلوي المحترم دام بقاؤه

بعد التحية ومزيد الاحترام، بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثانياً. ورد إلينا حاج جعفر من طرف القتل الذي عند كلو، وهو علوان بن حسين، فعاد جميع السواني الذي بينكم وبين أهل النجف الذي ما بينكم وبين آلبو كلل، فجميع السواني التي تفصلون بها قتل علوان بن حسين إلى آلبو كلل قبول. ودمتم سالمين، والسلام)).


المحب لكم
ازعار بن حمزة آل جبل

المحب لكم
حاج إبراهيم الحاج جنابي

المحب لكم
هدّاد آل قاطع
 

 

 


هذا، وبعد وصول الرسالتين المذكورتين إلى كل من سيد حسين السيد علي جريو، وسيد جلوي السيد حسون المؤمن، قام الشيخ كلو الحبيب آل فارس بتسيير مشية عشائرية إلى درعية الحاج عطية أبو كلل، وقد ضمت المشية الشيوخَ والسادة والوجوه من محلات النجف الأربعة، وأدى دية القتيل علوان بن حسين إلى الحاج عطية أبو كلل، وجعفر ثامر. والدية قدرها يوم ذاك عشرون ديناراً. وقد أغلقت هذه القضية التي كانت مجمدة من سنة 1917م إلى سنة 1941م، أي زهاء ربع قرن من الزمن تقريباً.

ذلك جزء من تاريخ شبة آل فارس الجمالة في البراق، سجلناه اعتماداً على المصادر المذكورة والمصادر المسموعة.([2])



([1]) لقد كتب مؤلف هذا الكتاب في هذا الموضوع بحثاً، أرسله للنشر في جريدة الفرات النجفية، بتاريخ 1/ 7/2000م.
([2]) مقابلة مع الشيخ كريم كلو الحبيب آل فارس ـ اجراها بن اخته مؤلف هذا الكتاب كاظم محمد علي شكر سنة 1960م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق