السبت، 27 سبتمبر 2014

تقديم


تقديم

 

بقلم

السيد الدكتور حسين الشريفي

 

كانت العرب منذ قديم الزمان أسبقَ الأمم وأحرَصها على حفظ الأنساب ومعرفتها، فاختصّت بهذا العلم من دون الأمم الأخرى. ولما جاء الإسلام حثّ المسلمين على تعلمه، والغورِ في أعماقه؛ لما فيه من التعاون والتضامن بصلة الرحِم بين أفراد القبيلة والعشيرة والأفخاذ. وعلى هذا الأساس، كان الحديث المأثور: ((تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامَكم، فإن صلة الرحم محبةٌ في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر)). فالنسب أساس الشرف، وميزان الفضيلة، وموطن العز والفخر. وقد نصّ القرآن المجيد على هذا المعنى، في قوله تعالى: [يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ].([1]) وكذلك قول مولانا أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام، في وصيته إلى ولده الإمام الحسن عليه السلام: ((أكرِم عشيرتَك؛ فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تسير، ويدك التي بها تصول)).

يمكن القول: أن علم الأنساب كعلم التأريخ للأنساب المتبصرة؛ فتكوين الأمم والشعوب والأقوام والدول والحكومات وانقراضها، وحصول الأحداث السياسية والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والنظم والشرائع القائمة في كل زمان ومكان، قائم في جانب منه على مدى الترابط بينهما وبين الأنساب ، في أحوال الجماعات والرجال العظماء والنوابغِ والعباقرة، في كل دور وكل عصر من الذين كان لهم الأثر الفعّال في تطور الأحداث العالمية، وتطوير المجتمعات البشرية... إلى غير ذلك. وفي أحوال تلك الأجيال والأفراد من جيل إلى جيل، أو في عيش فلان من الناس عظيماً في أي زمان ومكان. وفي معرفة اسمه، وكنيته، ولقبه، ومَن كان أبوه وأخوته وأعمامه وأخواله؟ وهل أعقب أو لم يعقب؟ وإلى أي شعبٍ ينتمي؟ أو إلى أي قبيلةٍ وبطن كان ينتسب؟ ومن أي عشيرة من العشائر؟ إلى غير ذلك من أمورٍ تخص حياة أولئك الأفراد في المجتمع. فقد مرت أدوار تاريخية مظلمة في عهود الجاهلية، في القرنين الخامس والسادس الميلاديين خاصة، وصفوها بالجاهلية الجهلاء؛ لكونها من أظلم تلك العهود، إذ اختلط فيها الحابل بالنابل، واضطربت أواصر النسب بعض الأضطراب، حتى جاء الإسلام، فنزلت الآية الكريمة في قوله تعالى: [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الأَخِ وَبَناتُ الأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً].([2])

فعلى هذا الأساس الجديد، وضعت قواعد النسب في الإسلام، فذلك معنى قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: ((بعثتُ من خيرة قريش، نقلت من الأصلاب الزكية إلى الأرحام الطاهرة. وما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما)).([3]) فهذا هو علم الأنساب ، سردناه باقتضاب.

لنكمل حديثنا عن بحث نسب (آل فارس الجمالة بن شهوان الضيغمي)، الذي ذكره النسّابون في سفر التاريخ، وكان في مقدمتهم أستاذنا المغفور له الأديب المؤرخ كاظم محمد علي شكر، الذي سرد لنا بحثه الموسوم تاريخَ هذه العشيرة، والتحقق من نسبهم وأصلهم، الذي أفادنا بالوصول اليه، والمختلف عمّا ذكره الباحثون في الأنساب ، من أنهم من شمر عبدة (آل جعفر) الطائية. وبعد التدقيق في البحث، وجدنا فيه الأصول النسبية لعشيرة الجمالة، المطابق مع المصادر العربية للأنساب.

إن أستاذنا أبو يسار قد سقطت منه أسماء في عمود النسب، كما ربما سقطت سهواً بعض أفخاذ عشيرة الجمالة. ولست مدافعاً عنه، والحقيقة ما لا يُعلم كله لا يترك جلّه. وكان اللقاء مع الشيخ العام الأستاذ فلاح كلو، والدكتور محمود الجمالي، والأستاذ جاسم الجمالي، من أجل كل شاردة وواردة في البحث؛ ليكون متكاملاً لكل أبناء عشيرة الجمالة، زاد الله في شرفهم، والله ولي التوفيق.

 

 

النسّابة المحقق

السيد الدكتور حسين الشريفي

صاحب علم الأنساب

النجف الأشرف ربيع الأول/ 1434هـ


 



([1]) الحجرات: 13.
([2]) سورة النساء/ آية 23.
([3]) نهج البلاغة، بن أبي الحديد، ج2، 471.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق